أكد باحث أكاديمي أن الإسلام عني بالمعوقين وأنزلهم منزلة لائقة، وسوى بينهم وبين الأسوياء في جميع الواجبات والحقوق، موضحا ان الإسلام صاحب نظرة سباقة وريادية فيما يتعلق بالمعوقين.
وقال الدكتور محمد غالي الأستاذ المساعد في جامعة لايدين الهولندية الذي أعد أطروحته للدكتوراه عن "حقوق المعوقين في الإسلام"، بتمويل من مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة، إن من أهم النتائج التي أسفرت عنها الدراسة هي أن الإسلام، لم يمارس أي نوع من الاضطهاد أو التمييز بحق المعوقين، بل اعتبرهم جزءا لا يتجزأ من المجتمع.
وأضاف أن الشريعة الإسلامية لم تنظر إلى المعوقين بصفتهم فئة تنضوي تحت مسمى "أهل البلاء"، نظرة سيئة، أو أنهم أقل من غيرهم، بل اعتبرهم أشخاصا أسوياء في الفروض والعبادات وجميع أمور الشريعة، عدا تلك التي تحتم على المعوق عدم القدرة على القيام بأشياء بعبنها لظروف الإعاقة.
ودلل على ذلك بأن النص القرآني في الأصل موجه للجميع دون فرق بين معوق وسوي، مما يؤكد على أن الشارع الحكيم وضع المعوقين والأسوياء جنبا إلى جنب.
وأشار د. غالي إلى أن سورة "عبس" رسمت فكرة واضحة عن كيفية التعامل مع المعوقين على قدم المساواة مع الأسوياء.
لكن - والكلام للدكتور غالي- حالة الإعاقة تسوغ بل وتفرض أحيانا على الأسرة والمجتمع المسلم الحق في إعطاء المزيد من الرعاية والاهتمام بالنظر إلى إعاقاتهم.
وبيّن أن كثيرا مما نصفهم اليوم ضمن فئة ذوي الاحتياجات الخاصة مثل الأكفاء، شغلوا مناصب دينية وعلمية متميزة على امتداد التاريخ الإسلامي، وكانوا مثار إعجاب وتقدير لما أبدوه من كفاءة وقدرات غير عادية في التعاطي مع مختلف العلوم.
وذكر أن الشريعة الإسلامية تعتبر المعوق شخصا قادرا على العمل والإنتاج والإسهام في نهضته أمته ورقيها، تماما مثل الشخص السوي.
وتابع: إن كتابه الذي أعده عن المعوقين في الإسلام يتطرق إلى كل هذه النقاط مع رصد دقيق للآراء الفقهية وتوثيق لمواقف العلماء القدامى والمعاصرين حول هذه القضية.
وعن عرض وجهات النظر حول المعوقين في العقيدة الإسلامية، أوضح غالي أن علماء العقيدة أعطوا اهتماما كبيرا لهذا الموضوع، وأن غالبية علماء المسلمين قامت بجهود كبيرة لتفسير وجود الإعاقات في الحياة وتبريرها، كاشفا أن النقطة التي انطلق منها هؤلاء العلماء تتمثل في أن الله سبحانه يتصف بصفات الكمال وأن وجود الإعاقات أو الشر في الحياة لا يخدش ولا يمس هذا الكمال الإلهي.
وواصل غالي كلامه بالقول: إن علماء المسلمين لم يحصروا أنفسهم في المحاولات العقدية التي تحاول الإجابة عن سؤال لماذا توجد الإعاقات، بل قدموا في هذا السبيل أطروحات تسعى إلى تقديم علاج نفسي للمشكلة، وحاولوا الخروج بوصفة عملية تمحو أو على الأقل تخفف من وقع مشاعر الأسى والعذاب التي يمكن أن يعانيها الإنسان والنابعة من إصابته بالإعاقة.
من ناحية أخرى، أكد المدير التنفيذي للمركز الدكتور سلطان السديري، أن مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة يعمل في مجالات متعددة في مكافحة الإعاقة والحد من انتشارها، داخل المملكة العربية السعودية، مشيرا إلى أن المركز يتبنى ويدعم العديد من البرامج والمشروعات التي تصب في هذا الاتجاه.
وأضاف: قام المركز بدعم رسالة الدكتوراه التي تقدم بها الباحث محمد غالي باعتبارها نافذة جديدة وعملا مبتكرا لم يتم التطرق إليه من قبل على هذا الوجه، وهو "حقوق المعوقين في الإسلام"، موضحا أن المركز يعتمد إستراتيجية متعددة المحاور تتصدي لقضية الإعاقة، من خلال إثراء البحث العلمي ودعم الأبحاث في كثير من المجالات المتعلقة بالإعاقة.
وتابع: إن جهود المركز ليست مقتصرة على النواحي الطبية فحسب، بل تتعداها إلى مجالات أخرى تسهم في الحد من الإعاقة أو توضيح جوانب لم يتم التطرق إليها من قبل، مثلما هو الحال مع إعداد المركز النظام الوطني للمعوقين، ودعم أطروحة الدكتوراه عن "المعوقين في الإسلام"، التي جاءت في الوقت المناسب، خصوصا وأن الرسالة قدمت إلى جامعة لايدين الهولندية، لتبين الوجه المشرق والحضاري للإسلام الذي يتعرض لحملة ظالمة في بعض وسائل الإعلام الغربية.
واكد د. السديري أن من برامج ومشروعات المركز: برنامج الكشف المبكر لحديثي الولادة للحد من إعاقات أمراض التمثيل الغذائي، ويهدف إلى الكشف المبكر عن 15 مرضا من أمراض التمثيل الغذائي، وأمراض الغدد الصماء الشائعة في المملكة العربية السعودية، التي يمكن معالجتها في المؤسسات الصحية السعودية، والبرنامج الوطني لدراسة تطور مهارات التواصل باللغة العربي، ويتلخص الهدف الرئيس له في تحديد مراحل تطور النطق "علم الألفاظ والصوتيات" واللغة "الصرف والنحو وعلم دلالات الألفاظ" للكلام لدى الأطفال الطبيعيين والذين يعانون من عيوب بالنطق، وتطور اللغة بين عمر السنة إلى الثمانية سنوات لدى الأطفال في المملكة.
وأضاف: هناك برنامج سهولة الوصول الشامل، ويهدف إلى وضع الأساس لبيئة خالية من العوائق وذلك لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، وبرنامج وحدة الدعم الأكاديمي: تقييم احتياجات طلاب التعليم الجامعي الذين يعانون من صعوبات التعلم في المملكة العربية السعودية، والهدف منه هو إنجاز التقييمات المبتكرة وتقديم الخدمات بإنشاء وحدة الدعم الأكاديمي في الجامعات السعودية التي تلتزم بالمعايير المقبولة دولياً.
وأشار إلى المركز ينطلق في سبيل تحقيق أهدافه وغاياته من نقطة رئيسة هي ضرورة أن يكون مركزا رياديا ومتميزا في مجال أبحاث الإعاقة، وأن يلعب دوراً مهماً في ضمان تولي المملكة العربية السعودية دوراً قيادياً في دمج المعوقين وأُسرهم في المجتمع من خلال القيام بأفضل التطبيقات العملية القائمة على أساس بحثي وعلمي.
وقال: يسعى المركز إلى زيادة الأبحاث العلمية الخاصة برعاية المعوقين، وتوثيق التعاون مع الجهات المعنية بأصحاب الإعاقات في المملكة لإنشاء قاعدة معلومات وسجل وطني للإعاقة، ولزيادة تمويل الأبحاث الأساسية والتطبيقية العلمية ذات الجودة العالية، بجانب مساندة المجلس الأعلى لشؤون المعوقين لأداء دوره المناط به.