آخر تحديث: الثلاثاء, 09 يوليو 2024

عالم سعودي يدشن مشروعا للعلاج الجيني لمرض التهاب الشبكية الصباغي

أكد الدكتور فوزان الكريع كبير علماء أبحاث الجينات في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث والأستاذ الزائر في جامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية أن هذا الكشف العلمي تم بدعم من مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة، حيث قدم أحد مؤسسي المركز خمسة ملايين دولار للسير في خطواته التطبيقية.

وأضاف الدكتور الكريع في حوار خاص لجريدة الاقتصادية أن فرق العمل التي تقوم على هذا المشروع العملاق تنضوي تحت مجموعتين رئيسيتين إحداها في الولايات المتحدة الأمريكية و الأخرى في السعودية، مشيرا إلى أن هذا المرض يصيب واحدا من بين أربعة آلاف أمريكي.

وعزى الدكتور الكريع ارتفاع نسبة الإصابة بهذا المرض في السعودية إلى عدد من الأسباب على رأسها، زواج الأقارب، مبيّنا أن فحص ما قبل الزواج الذي يعمل به حاليا في المملكة، غير كاف كونه ينحصر في تشخيص بعض أمراض الدم الشائعة فحسب لايغطي أي أمراض وراثية أخرى.

وقال: إن من أكثر الأمور التي أفتخر بها حول هذا المشروع أن تقييم المرضى وتشخيصهم وعلاجهم سيتم هنا في المملكة، لأن توطين هذه التقنية مفخرة أعتز بها ليس كعالم أبحاث فحسب، بل وكمواطن أتمنى أتمنى لشعبي كل صحة وعافية ولوطني كل ازدهار علمي.

فإلى الحوار:

س: ما هو مرض إلتهاب الشبكية الصباغي؟

ج: مرض التهاب الشبكية الصباغي هو من أمراض العين الوراثية التي تصيب الشبكية تحديدا، مما يؤدي إلى تلف تدريجي في الخلايا التي تعمل كمجسات ضوئية تترجم الإشارات الضوئية المستقبلة إلى نبضات عصبية يقوم المخ بفك شفرتها وإخراجها على شكل صور.

والحقيقة أن اسم المرض يعود إلى كون هذه المجسات موجودة في الطبقة الصبغية من الشبكية، وأما لفظ التهاب فهو قد يسبب سوء فهم عند غير المختصين، ومن ثم فنحن لا نقصد بهذا اللفظ العدوى، وإنما نقصد حالة مرضية تصيب الخلايا تؤدي في النهاية إلى تلفها، وبالتالي يمكن أن نسمي المرض مرض الموت التدريجي لخلايا الطبقة الصبغية من الشبكية.

وعادة ما تبدأ أعراض هذا المرض في سن الطفولة، حيث تكون البداية على شكل عشى ليلي، ثم يتطور الأمر تدريجيا حتى يكون تأثر البصر في النهار جليا، وهكذا إلى أن يحصل ضعف شديد في البصر، مع ملاحظة أن فقد القدرة على الرؤية يبدأ في محيط الرؤية، ثم يتطور إلى أن يصيب الرؤية المركزية، ولتقريب المفهوم لك أن تتصور أنك تنظر إلى الخارج عن طريق نافذة دائرية ثم تضيق هذه الدائرة تدريجيا حتى لا تكاد ترى إلا عن طريق ثقب صغير في مركز الدائرة، وحتى هذا الثقب يبدأ في التعتيم تدريجيا، وهذا التمثيل يكاد يكون مطابقا لما يصيب هؤلاء المرضى.

س: كم عدد المصابين بهذا المرض عالميا وفي المملكة؟

ج: هذا المرض ليس بالمرض الشائع في كثير من بلاد العالم، فهو على سبيل التقدير لا يصيب إلا واحدا من بين 4000 أمريكي، حيث يقدر عددالمصابين بهذا المرض في أمريكا ب 100 ألف مواطن (تعداد السكان في أمريكا يناهز 300 مليون نسمة). وللأسف لا توجد إلى حد علمي دراسة تقديرية لعدد المصابين بهذا المرض في المملكة، ولكن لا شك في أن التركيبة الاجتماعية وبالتحديد زواج الأقارب عندنا في المملكة عامل مهم جدا في زيادة نسبة المصابين بالنوع المتنحي من هذا المرض، كما لاحظنا في كثير من الأمراض الوراثية الأخرى. وبعبارة أخرى أعتقد أن نسبة المصابين بالنوع المتنحي من مرض التهاب الشبكية الصباغي يفوق نسبته في كثير من بلاد العالم الأخرى.

س: نريد تسليط الضوء على المشروع البحثي الذي تجرونه والخاص بإعادة الإبصار للمرضى المصابين بالتهاب الشبكية الصباغي؟

ج: منذ أن تطورت آليات التشخيص الجزيئي وصار بالإمكان التعرف على الخلل الجيني المسؤول عن عدد من هذه المجموعة من اضطرابات البصر، والباحثون يعملون بجد في سبيل تحقيق ما كان مستحيلا حتى وقت قريب ألا وهو حقن نسخة سليمة من الجين المعطوب في الشبكية ليقوم بعمله.

وعلى الرغم من أن محاولات كهذه تمت بنجاح على الحيوانات منذ عام 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن مشاكل جمة كانت تعيق الانتقال إلى مرحلة البشر، إلا أن السنة الماضية شهدت تطورا تاريخيا مهد له تطور التقنية الجزيئية، مما سمح لثلاث مجموعات بحثية، اثنتان منها في الولايات المتحدة والثالثة في المملكة المتحدة بالبدء في استخدام هذه التقنية لعلاج نوع معين من التهاب الشبكية الصباغي جينيا، وكانت هناك أصداء واسعة للنتائج المبدئية التي تم نشرها أخيرا في مجلة NEJM العريقة.

س: ماذا يعني تدشين هذا المشروع في السعودية؟

ج: الحق يقال إنه كان أشبه بالحلم أن ندشن مشروعا هنا في السعودية يعالج هذه الاضطرابات، ولكن قام أحد المؤسسين في مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة بتشجيعي على البدء في هذا المشروع الواعد فجزاه الله خير الجزاء.

والمشروع الذي تكفل هذا المؤسس الكريم فاعل الخير، بدعمه بمبلغ خمسة ملايين دولار هو بحق عمل جمعي وليس عملا فرديا، حيث تم توقيع التعاون مع بروفيسور كانج زانج من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو في أمريكا الذي يقود أحد الفرق الثلاثة التي ذكرتها آنفا.

وسيكون العمل كالتالي: فحص المرضى وتشخيصهم بعيادة حثل الشبكية (Retinal Dystrophy) في مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون التي يتولاها استشاري الشبكية، وسيقوم برنامج الاضطرابات البصرية الوراثية الذي أتولى رئاسته في مركز أبحاث مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض بالتشخيص الجزيئي لهؤلاء المرضى، ومن كان منهم مصابا باعتلال مورثة MERTK يكون مؤهلا للدخول في هذا المشروع العلاجي إن أراد.

أما فريق البروفسور زانج فسيقوم بإنتاج الفيروس المعدل القادر على نقل النسخة السليمة من مورثة MERTK.
وأحب أن أشير إلى أنه على الرغم من أن هذا الفيروس المعدل قد استخدمته الفرق الثلاثة بنجاح على البشر، إلا أننا ومن باب الالتزام بأعلى درجات المهنية سنتأكد من سلامته على الحيوانات "القرود" بعد التأكد طبعا من فعاليته قبل استخدامه وهذا يبرر جزءا كبيرا من الكلفة العالية لهذا المشروع.

س: ما الذي يضيفه هذا المشروع إلى الحركة العلمية البحثية في المملكة؟

ج: إن من أكثر الأمور التي أفتخر بها حول هذا المشروع، أن تقييم المرضى وتشخيصهم بل وحتى علاجهم سيتم هنا في المملكة بالتعاون الوثيق بين أفراد الفريق البحثي، حيث سيقوم بروفيسور زانج بزيارة خاصة مع فريقه لتدريب كفاءات نفتخر بها في مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون لحقن النسخة السليمة من المورثة في أعين المرضى المصابين، وهذا التدريب والتوطين لهذه التقنية مفخرة أعتز بها ليس كعالم أبحاث فحسب، بل وكمواطن أتمنى لوطني كل ازدهار علمي. ولا أنسى أن أُذّكر بأن المشروع سيركز على مورثة MERTK كبداية لما كان للتجارب على الحيوانات من نتائج مشجعة جدا تجعل أفراد الفريق البحثي كلهم أمل في الحصول على نتائج مشابهة في مرضانا. وإذا ما حصل أن حققنا النجاح المنشود بإذن الله، فإننا نطمح أن نعالج أنواعا أخرى من الاضطرابات الجينية المسؤولة عن هذا المرض بالطريقة نفسها، وكلي ثقة أن نجاحنا سيدفع العديد من محبي الخير لتمويل هذا البرنامج الطموح، وأهيب هنا، بأطباء العيون في مختلف مناطق المملكة لتحويل المرضى المصابين بهذا المرض إلى عيادة حثل الشبكية لزيادة فرصهم بالحصول على العلاج بإذن الله.

س: كيف بدأ المشروع، وماذا عن نتائجه الأولية، وما الجديد الذي توصلتم إليه؟

ج: المشروع في الواقع، بدأ بتأسيس عيادة حثل الشبكية - التي أشرت إليها، في مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون، حيث بدأت باستقبال المرضى المحولين من مختلف مناطق المملكة ومختبر الأبحاث الذي أديره في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث يبذل جهدا حثيثا للوصول للتشخيص الجزيئي لهذه الحالات فما كان منها بسبب اعتلال مورثة MERTK فهو قادر على الدخول في برنامج العلاج الجيني إن أحب، وفريق بروفيسور زانج في كاليفورنيا بدأ فعلا بتصنيع الفيروس المعدل استعدادا لتجربته على الجرذان والقردة للتأكد بشكل كامل من فعاليته و سلامته، وإذا ما سارت الخطة كما هو مرسوم لها، فإننا نطمح أن تتم أول جلسة علاجية في مايو 2009 بإذن الله. وأود أن أشير هنا إلى أن من كان مصابا باعتلال في مورثة أخرى عليه ألا يفقد الأمل، فكما أشرت فإن نجاح هذا المشروع سيشجعنا على الانتقال إلى علاج حالات مصابة باعتلال مورثات أخرى تدريجيا بإذن الله.

س: التهاب الشبكية الصباغي أحد الإعاقات الوراثية التي تؤدي إلى فقدان البصر، والزواج من الأقارب يزيد من فرص الإصابة بهذا المرض، فهل الفحص قبل الزواج يقلل من نسبة انتشار هذا المرض؟

ج: لا شك في أن زواج الأقارب، كما وضحت سابقا عامل مهم في الإصابة بالنوع المتنحي لالتهاب الشبكية الصباغي، وللأسف كثير ممن يأتونني إلى العيادة تنتابهم الدهشة لإصابة أطفالهم بهذا المرض، على الرغم من أن فحص ما قبل الزواج "سليم"، مما يعني عدم وجود وعي كاف لمعنى الفحص قبل الزواج الذي يعمل به حاليا في المملكة، والذي ينحصر في تشخيص بعض أمراض الدم الشائعة فحسب بمعنى أنه لا يغطي أي أمراض وراثية أخرى، وهذا يشمل التهاب الشبكية الصباغي بطبيعة الحال ولكن لعلي أستغل هذا المقام لإبراز ميزة مهمة لهذا المشروع ألا وهي التشخيص الجزيئي لالتهاب الشبكية الصباغي ومن ثم ستكون هناك خيارات متاحة لهؤلاء المرضى مثل فحص ما قبل الزواج للتأكد من زوج وزوجة المستقبل ليسوا ناقلين للمورثة التي تم تحديدها في المختبر.

آخر الأخبار

f
فيديو لقاء الدكتور بدر بن سعد الهجهوج المدير التنفيذي في…
الأمير سلطان يصافح الدكتور بندر العيبان
الأمير سلطان بن سلمان يوقع مذكرة تفاهم بين المركز وهيئة…
2
شراكة تقنية لتقديم الدعم التقني والتطوعي